حماس والسعودية.. تاريخ من العلاقة غير الثابتة
تاريخ النشر: 24/07/2021 - عدد القراءات: 2380
حماس والسعودية.. تاريخ من العلاقة غير الثابتة
حماس والسعودية.. تاريخ من العلاقة غير الثابتة


بقلم: أ. كريم قرط، باحث في مؤسسة يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، رام الله

 ظهر خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس في الخارج في مقابلة على قناة العربية السعودية التي تبث من دبي بتاريخ 4 تموز 2021، ومع أن المقابلة لم تتجاوز 26 دقيقة، إلا أنها نظرا للتوقيت وطبيعة العلاقة التي تربط حركة حماس والمملكة العربية السعودية في المرحلة الراهنة وتشهد حالة من التجاذبات، تحمل دلالات متنوعة.

المقابلة تطرق مشعل خلالها لعدد من القضايا التي تخص العلاقة بين حركة حماس والسعودية وغيرها من القوى الإقليمية في مرحلة شهدت العديد من التغيرات الإقليمية والدولية، لتفتح الباب على احتمالات عودة العلاقات بين حماس والسعودية بعد توترها وانقطاعها لفترة طويلة. 

تاريخ العلاقة

تعود بداية العلاقات بين المملكة العربية السعودية وحركة حماس إلى بداية اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، فقد برزت حركة حماس خلال الانتفاضة بخطابها الديني ورفعها شعارات إسلامية، وهو ما جعلها محط أنظار السعودية نظرا لتبنيها هي الأخرى للخطاب الديني الإسلامي.[1] بدأت العلاقة بين الطرفين عقب اللقاء الذي جمع مدير المخابرات السعودية وموسى أبو مرزوق عام 1988 بناءا على طلب سعودي، وقد نوقشت خلاله أسس العلاقة بين الطرفين وآليات تقديم الدعم المالي لحماس.[2]

سعت السعودية لتعزيز علاقتها مع حركة حماس خلال خرب الخليج الثانية نتيجة انحياز منظمة التحرير الفلسطينية للعراق خلال تلك الحرب، فعُقد لقاء ثانٍ أبو مرزوق ومحمد نزال مع مدير المخابرات السعودية أثناء الحرب. وقد نوقش خلاله تعزيز العلاقات وفتح مكتب اتصال في المملكة لحركة حماس، ووعدت السعودية بتقديم دعم مالي وسياسي للحركة.[3] كانت السعودية قد طرحت فكرة استبدال حركة حماس بمنظمة التحرير الفلسطينية، ولكنها سرعان ما تراجعت عنها، ففي لقاء ثالث جمع أبو مرزوق ونزال مع المخابرات السعودية عام 1992 أكدت السعودية أنها لا تبحث عن بديل جديد على الساحة الفلسطينية وستستمر في اعتبار منظمة التحرير الممثل الشرعي للفلسطينيين طالما لم تغير الجامعة العربية مواقفها، كما أنها ليست في صدد قيادة اتجاه في الجامعة العربية للبحث عن بديل، واكتفت السعودية بتقديم دعم مالي مقطوع للحركة.[4]

افتتحت حركة حماس في العام 1993م مكتب تمثيل رسمي لها في مدينة جدة، وتم تعيين "صالح الخضري" كأول ممثل لها في السعودية، متمتعا بالصلاحيات الدبلوماسية كافة، بمباركة الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية آنذاك. ولعب الخضري دورا مهما في توطيد علاقة حماس مع السعودية، لا سيما خلال جولة الشهيد الشيخ أحمد ياسين الخارجية، وزيارته للرياض، في صيف العام 1998، بعد الإفراج عنه من سجون الاحتلال، ولقائه مع ولي العهد السعودي آنذاك  عبد الله بن عبد العزيز.[5]

فبعد خروج الشيخ أحمد ياسين، زعيم حركة حماس، من السجن، كان وضعه الصحي يتطلب خضوعه لعمليات عاجلة. وقد أبدت السعودية استعدادها لاستقباله للعلاج على أراضيها، وأولت السعودية اهتماما رسميا بالشيخ ياسين، وأبدت تفهما واسعا لمواقفه تجاه المقاومة المسلحة وبرنامج حماس السياسي المتعارض مع الطرح السعودي لمشروع السلام في المنطقة العربية المتمثل في حضورها مؤتمري مدريد وشرم الشيخ.[6]

استمرت العلاقات بين السعودية وحماس بوتيرة هادئة، وإن كانت العلاقات التي تربط حماس بإيران قد أثارت حفيظة السعودية، إلا أنها لم تؤدِ إلى قطع العلاقات أو توتيرها. وحدث التطور الأهم في علاقات السعودية بحماس عقب عقد "اتفاق مكة" 2007 بين حركتي فتح وحماس، الذي جاء نتيجة اشتداد الخلافات بين الحركتين عقب فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006 وتوليها الحكومة الفلسطينية.  فعقب ذلك، وجه الملك السعودي نداء عاجلا إلى الحركتين لعقد لقاء مصالحة بينهما في مكة المكرمة. وتم  خلال الزيارة إنجاز إتفاق مكة والاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة هنية.[7]

وعقب تفجر الانقسام الفلسطيني وسيطرة حماس على قطاع غزة، اعتبرت السعودية ما جرى نقضا من حماس لاتفاق مكة. وحاول بعض قيادات الحركة الموجودين في السعودية تبرير أحداث قطاع غزة، وزروا عددا من المدن السعودية وأجروا لقاءات صحفية والتقوا عددا كبيرا من علماء الدين من دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير في الموقف الرسمي. واستمر توافد قيادات حركة حماس على السعودية كالمعتاد في مواسم الحج والعمرة، فيما انحصر التعامل الرسمي مع السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله.[8]

حالة من التضييق

العلاقة بقيت ضمن الحدود السابقة حتى بدأت الاعتقالات والتضييق المالي الذي وصل إلى حد المنع التام للتحويلات أو جمع الأموال في المملكة لمصلحة غزة عموما وحماس خصوصا، وصولا إلى اعتقال السعودية لعدد من قيادات حماس في السعودية أبرزهم "ماهر صلاح" المسؤول المالي للحركة في الخارج. ومع تولي الملك سلمان الحكم عام 2015، استبشرت الحركة بسبب دوره السابق في دعم "صندوق الأقصى" ورعاية مشاريع لها علاقة بفلسطين عند توليه إمارة الرياض سابقا. على إثر ذلك، زار وفد من حركة حماس السعودية للتعزية بوفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز وتقديم التهنئة للملك سلمان بن عبد العزيزبتوليه الحكم. وقد أدى الوفد مناسك الحج، ثم سمح لهم بزيارة الملك سلمان في مقر إقامته في مكة واستقبلهم بنفسه. وأفرجت السلطات السعودية عن مجموعة من المعتقلين بينهم ماهر صلاح، نتيجة للزيارة. أيضا أبدى محمد بن سلمان، الذي كان ولياً لولي العهد، موافقته على عقد لقاء يجمع الطرفين بعد شهر من لقاء الحركة ووالده.[9]

إلا أنه جسب تصريحات وزير الخارجية السعودي، حينها، عادل الجبير كانت الزيارة ذات طابع ديني ولم يتخللها أي لقاءات رسمية.[10] لكن العلاقات بعد ذلك أخذت في التدهور، ففي 2014،  أصدرت السعودية قرارا غير مسبوق بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين بـ"الإرهابية"، ومع أن القرار لم يشمل حماس بالاسم مباشرة، لكن حماس لها امتداد فكري يربطها بالجماعة، خاصة وأن مصدرا مقربا من صناع القرار السعودي ذكر في حينه أن المرسوم الملكي يشمل أفرع الجماعة بدول أخرى، بما فيها حماس في فلسطين.[11]

 وازدادت العلاقة توترا بعد قدوم إدارة الرئيس الأمريكي للحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، الذي وصف حركة حماس بأنها حركة "إرهابية" في أيار 2017، خلال  القمة العربية الإسلامية الأميركية في الرياض. وبعد ذلك وفي شباط 2018، وصف وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في تصريحات أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي في بروكسل، حركة حماس بأنها "إرهابية"، وهو ما اعتبر سابقة خطيرة في تاريخ العلاقة بين الجانبين.[12]

في بداية العام 2019، شنت السلطات السعودية حملة اعتقال شملت نحو 80 شخصية فلسطينية وأردنية محسوبين على حركة حماس، أيضا الكفلاء السعوديون للمعتقلين وأبنائهم، وكان من بين المعتقلين "صالح الخضري" ممثل حماس في السعودية. وقامت السعودية عام 2020 بتقديم 68 معتقلا، بعدما أطلق سراح عدد قليل منه، للمحاكة بموجب قانون ما يسمى "قانون مكافحة الإرهاب"، بتهمة الانتماء إلى كيان إرهابي وتمويله، في إشارة إلى حركة حماس.[13] وتتحدث الأنباء عن أن السعودية ما زالت تعتقل 160 فلسطينيا بتهمة الانتماء لحماس حتى الوقت الحالي.[14]

العوامل المؤثرة

كان للتحول في طبيعة العلاقة بين المملكة العربية السعودية وحركة حماس أسباب ومقدمات مرتبطة بالتحولات والتغييرات الإقليمية والدولية التي عصفت بالمنطقة في العقدين السابقين، وخصوصا عقب ثورات الربيع العربي. فقد شهدت المنطقة عددا من الأحداث والنزاعات والاصطفافات الإقليمية وجدت حركة حماس نفسها في خضمها نتيجة علاقاتها مع أطراف في هذا "المحور" أو ذاك.

فبعد أحداث الربيع العربي، تصدرت جماعة الإخوان المسلمين وفروعها المشهد في عدد من الدول التي حدثت فيها الثورات، وهو ما وضعها في منافسة مع الأنظمة العربية التي رأت فيها تهديدا لحكمها. ونظرا لكون حماس ترتبط فكريا بجماعة الإخوان فقد انعكس الموقف من الإخوان على حماس لدى العديد من الدول، وخصوصا مصر وبعض دول الخليج العربي، وهو ما انعكس بتصنيف هذه الدول لجماعة الإخوان على أنها منظمة إرهابية.

وبالإضافة إلى ذلك، أسهمت علاقات حماس مع "محور الممانعة" وخصوصا علاقاتها مع إيران التي تنظر لها بعض الدول الخليجية كتهديد لأمنها، في توتير علاقات حماس معها. ومع أن علاقات حماس تراجعت مع "محور الممانعة" عقب الأزمة السورية، إلا أنها لم تنقطع كلية، وجرت خلال الأعوام السابقة عدة زيارات لقيادات من حماس لإيران. كان أبرزها مشاركة إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في تشييع قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.[15]

إلى ذلك، فحركة حماس تتمتع بعلاقات جيدة مع تركيا، التي كانت حتى عهد قريب على علاقات طيبة مع السعودية، ولكنها ساءت بعد دعم تركيا لثورات الرببع العربي وجماعة الإخوان الملسمين، ووصلت العلاقات حد التأزم بعد الانحياز التركي لقطر في الأزمة الخليجية. لم تكن حماس في معزل عن التوتر في العلاقات بين دول الخليج وتركيا، فقد انعكس ذلك عليها بشكل واضح في علاقاتها مع السعودية.

كان الحدث الأهم الذي وصلت العلاقات فيه بين السعودية وحماس طريقا مسدودا هو الأزمة الخليجية عام 2017، التي حدثت على أثر إعلان كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصار ومقاطعة قطر، وساقت الدول المُقاطِعة مجموعة من المبررات لما قامت به، حيث برزت حركة حماس كإحدى نقاط الخلاف والتجاذب بين قطر والدول المقاطعة.[16] فقد هاجم وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قطر لعلاقتها مع حماس، قائلا: “على قطر التوقف عن دعم تنظيمات مثل الإخوان المسلمين وحركة حماس”. إضافة إلى انخراط الإعلام السعودي في الهجوم على حماس ووصفها بالحركة الإرهابية.[17]

وقد ترافقت هذه الأحداث مع تولي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية الذي كانت سياسته منحازة لإسرائيل ومتعنتة إزاء إيران وحلفائها في المنطقة، وسعيه لتصفية القضية الفلسطينية من خلال خطته المعروفة بـ"صفقة القرن"، وموجة التطبيع العربية الجديدة التي تمت برعاية إدارة الرئيس ترامب. وهو ما انعكس على موقف السعودية، وخصوصا بعد تعيين الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد، من العديد من القضايا والأحداث في المنطقة.

في مقابل هذه المتغيرات كان من الطبيعي أن تتوتر علاقة حماس بالسعودية وغيرها من القوى الإقليمية، فعلاقات حماس الخارجية تثير لها العديد من الإشكاليات بسبب الانقسامات والنزاعات المتعددة في الإقليم، في ظل سعي حماس إلى عدم ربط نفسها بمحور دون غيره، وبناء علاقاتها مع مختلف القوى الإقليمية.

 المتغيرات وتأثيراتها

حدثت العديد من المتغيرات في الإقليمية والدولية في الفترة الأخيرة التي أدت إلى حلحلة عدد من الأزمات التي تطرقنا لها آنفا. وهو ما يمكن أن يكون الأساس الذي بني عليه، وسيبنى عليه، الموقف السعودي من حركة حماس.

كانت بداية هذه الأحداث رحيل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن الحكم، وقدوم الرئيس جو بايدن، الذي تختلف سياسته عن سابقه فيما يتعلق بالمنطقة والعالم بشكل عام. فالرئيس بايدن يسعى إلى العودة للاتفاق النووي مع إيران الذي كان سلفه ترامب انسحب منه سابقا، وهي سياسة لا تروق للسعودية وإسرائيل.[18] هذا بالإضافة إلى تراجع اهتمام الإدارة الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام لحساب الاهتمام بالتنافس مع الصين وغيرها من القوى الصاعدة.[19]

ترافقت قدوم إدارة بايدن مع تغيرات وانفراجات في الأزمات في المنطقة، فمنذ الإعلان عن فوز بايدن في الانتخابات الأمريكية عقدت المصالحة الخليجية في بداية عام 2021 بين السعودية والإمارات والبحرين من جانب وقطر من جانب آخر في قمة العلا التي جمعت الدول الأربعة، بعدما تراجعت السعودية عن شروطها التي فرضتها على قطر لإنهاء المقاطعة.[20]

وعقب ذلك صدرت تصريحات عن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في نيسان 2021، تحدث فيها عن موقف بلاده من إيران، وفيما بدا تبدلا ملحوظا في لهجة السعودية نحو إيران، حيث  قال ولي العهد: "إيران دولة جارة، وكل ما نطمح له أن يكون لدينا علاقة طيبة ومميزة مع إيران". وأضاف: "لا نريد وضع إيران أن يكون صعبا، بالعكس نريد إيران مزدهرة وتنمو، لدينا مصالح فيها، لديهم مصالح في المملكة العربية السعودية لدفع المنطقة والعالم للنمو والازدها".[21]

وعلى صعيد آخر، شهدت الفترة الأخيرة محاولات لإعادة العلاقات بين السعودية وتركيا، على أثر جهود المصالحة التي تعقد بين تركيا ومصر. فقد زار وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو السعودية في شهر أيار المنصرم والتقى بنظيره السعودي، في أول زيارة من نوعها منذ عام 2018، جاءت تلك الزيارة عقب تصريحات تركية حول الرغبة بإصلاح العلاقات مع السعودية.[22] لم تحدث حتى اللحظة مصالحة كاملة بين البلدين، إلا أن هذه الأحداث المتتالية تنبأ باحتمالية إنهاء الأزمة بينهما وعودة العلاقات إلى سالف عهدها.

يمكن القول أن المعطيات السابقة ساهمت في تغير التموضع الإقليمي لكل الأطراف المتنازعة بعد مرحلة من النزاع المحموم بينهما. الملاحظ أن حركة حماس تتمتع بعلاقات جيدة مع كل الأطراف التي كانت بينها وبين السعودية أزمات وخلافات عميقة، وبتحصيل حاصل، فإن الانفراج في هذه الأزمات سينعكس على الانفراج في العلاقت بين السعودية وحماس.

وإلى ذلك، فقد شهد الحلف السعودي-الإماراتي- المصري تصدعا في الفترة الأخيرة.  إذ شهدت الفترة الأخيرة تراجعا في العلاقات السعودية الإماراتية بسبب تعارض المواقف والمصالح نسبيا بينمها في اليمن، وخروج الإمارات عن الإجماع داخل مجموعة "أوبك بلس" للنفط بما يتعارض مع مصالح السعودية.[23]

وفي المقابل، بدا أن مصر بدأت بتغير موقفها من هذا الحلف، وخصوصا بعد تغييبها عن قمة العلا التي جرت فيها المصالحة الخليجية، مع أن مصر شاركت الدول الخليجية مقاطعتها لقطر. وكانت مصر سباقة لتغيير موقفها وتعاملها مع حركة حماس والقضية الفلسطينية عموما، وهو ما تجلى خلال معركة "سيف القدس"، التي لم تكن خلالها التحركات والتصريحات السعودية على مستوى نظيرتها المصرية. أما الحدث الأهم الذي يعكس رغبة مصر في الخروج من التحالف مع دول الخليج، فهو انخراط كل من مصر والأردن والعراق في "مشروع الشام الجديد"، وهو تكتل اقتصادي بالدرجة الأولى، إلا أنه يعكس توجهات سياسية لكل أطرافه تتمحور حول إيجاد بديل للعلاقة مع دول الخليج وتقوية مركزها الإقليمي.[24]

أما على الصعيد الفلسطيني، فقد أدت معركة "سيف القدس" إلى تصدر حماس للمشهد السياسي، ورغبة عدد من الدول الكبرى في التواصل معها وتغير الخطاب الأمريكي نسبيا نحوها. في الوقت الذي تعاني فيه السلطة الفلسطينية تراجعا وأزمة سياسية، خاصة بعد مقتل الناشط السياسي "نزار بنات" وما أثارته من احتجاجات وتنديدات محلية ودولية ضد السلطة الفلسطينية. وهو ما جعل حماس تظهر بمظهر الطرف المنتصر المتماسك الذي يمتلك أوارق قوة وتأثير في الساحة الفلسطينية وفي الإقليم.

أمام كل هذه المتغيرات والأحداث، يمكن القول أنه من الطبيعي أن يحدث تغير في الموقف السعودي من حركة حماس، فالأزمات الإقليمية التي أثرت على علاقات حماس بالسعودية بدأت بالتحلحل. كما أن المعركة الأخيرة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل أثبتت أنه لا يمكن تجاوز القضية الفلسطينية وتجاهل الفلسطينيين من خلال مسارات التطبيع دون إشراك الفلسطينيين في أي حل قادم.

رسائل مشعل الأخيرة

في ضوء المتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية ظهر خالد مشعل على قناة العربية السعودية بناء على طلب من القناة ذاتها،  فحسب موقع المونيتور الأمريكي؛ فإن قناة العربية تواصلت مع مشعل لترتيب مقابلة في أواخر حزيران، وأنه تشاور مع إسماعيل هنية رئيس حركة حماس في هذه المسألة. وأوصل مشعل لمسؤولي القناة رغبته في التحدث بحرية دون أي قيود بغض النظر عن الموضوع، ورغبته في بث المقابلة بشكل مباشر، وفيما وافقت القناة على طلبه الأول، رفضت طلبه الثاني لأسباب فنية، وفقا للمصادر.[25]

ويرى المحلل السايسي أحمد الحاج علي "أن المسار العام لقناة “العربية” منذ تأسيسها عام 2003 وحتى اليوم، يشير بوضوح إلى استحالة أن تقدِم على استضافة مشعل دون قرار سياسي عالي المستوى، خاصة وأن ممثل حركة (حماس) في السعودية، يقبع في السجن."[26]

يمكن اعتبار هذه المقابلة، التي جرت بعد انقطاع دام لأكثر من 10 سنوات مع بداية توتر علاقات حماس بالسعودية، كعملية جس نبض أو استكشاف سعودية لتوجهات حركة حماس إزاء السعودية وإزاء عدد من الأطراف والقضايا الإقليمية التي تهم السعودية. فقد تم التركيز بشكل كبير على علاقة حماس بكل من الإخوان المسلمين وإيران وتركيا. وهذا المثلث هو محور أزمة السعودية مع حماس بامتدادته الفكرية والسياسية والتنظيمية، ولذلك فالسعودية، على ما يبدو، كانت راغبة في معرفة توجه حماس للعلاقة معها في ضوء ارتباطاتها بهذه الأطراف.

وإلى ذلك، فقد دعا خالد مشعل السعودية لفتح أبواب العلاقة مع حركته، مشيدا بالدور التاريخي للسعودية في دعم الفلسطينيين، وداعيا إياها لاستضافة قيادة حماس على أراضيها، وأكد أن حماس لم ولن تنتمي إلى محور بعينه في المنطقة، لأنها حركة مقاومة تحتاج دعم الجميع، وقد انفتحت على جميع الدول منذ انطلاقتها.  وفيما يتعلق بعلاقات حماس مع إيران وتركيا والإخوان المسلمين، أكد مشعل على أن  حماس لن تتراجع عن أي علاقة تفيد الشعب الفلسطيني، ولا تقبل أي اعتداء على دولنا العربية والإسلامية في المقابل.[27] وقال مشعل أن حركته التدخل بشؤون وعلاقات أي دولة عربية من بينها السعودية، مؤكدا أنه من حق أي دولة اتخاذ موقف من أي دولة أخرى، وليس للحركة أن تتدخل بشؤون الدول، وما يعنيها هو القضية الفلسطينية وخدمتها.[28] ومن بين الأمور التي تطرق لها مشعل في مقابلته، إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينين في السعودية، وهو ما حذفته القناة من المقابلة، فيما لم تعلق حركة حماس هذا الحذف، لتخفيف أجواء التوتر مع السعودية، حسب محللين.[29]

ويرى الأستاذ سليمان بشارات مدير "مؤسسة يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية" أن مشعل أراد إيصال عدة رسائل من خلال هذه المقابلة، تتعلق ببعدين، الأول يتعلق بنهج حركة حماس، والتأكيد على أنها حركة ذات امتداد فكري إخواني إسلامي، لكنها غير مرتبطة بقرارها وطرحها بأي من الأطراف، حيث قال: "هذا منطلق مهم في عدم تخلي حماس عن نهجها الفكري الذي تقوم عليه، وترفض بذات الوقت اتهامها بتبعية قرارها لأي أحد".  والرسالة الثانية، تتعلق بالعلاقة مع النظم السياسية العربية، التي تختلف معها في بعض القضايا، خصوصا مسألة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنها لا يعني أنها تقاطع هذه الأنظمة، وإنما تبقى على تواصل معها كما هو الحال في الحالتين المصرية والأردنية، فهناك فصل ما بين العلاقة المبنية على مصلحة القضية الفلسطينية، وما بين التدخل في الرؤى السياسية التي تتعلق بالدول نفسها.[30]

وعلى أية حال، فإنه من الملاحظ أن ما جاء في مقابلة مشعل ليس جديدا في خطاب حركة حماس، وهو ما تكرره دائما عند الحديث عن علاقتها بالإخوان المسلمين وإيران وتركيا وغيرهم من القوى والدول. إلا أن الجديد في هذه المقابلة هو توقيتها في ظل الظروف التي تطرقنا لها سابقا، ورغبة السعودية في إجرائها في ظل مسار حلحلة الأزمات الذي تنتهجه السعودية منذ قدوم إدارة الرئيس بايدن وما تبعها من أحداث.

ماذا بعد؟  

يمكن النظر لمقابلة مشعل في ظل التوقيت والحيثيات المحيطة بها على أنها ستكون فاتحة لطريق عودة العلاقات بين السعودية وحماس. إلا أن السؤال المطروح هو، لماذا لم تبادر السعودية إلى لقاء قيادات من حماس بشكل مباشر بدل التوجه لمقابلة تلفزيونية لم يطرح فيها أي جديد على مستوى خطاب حماس. ربما تكمن الإجابة في أن هناك رغبة في توجيه رسائل من خلال المقابلة لعدد من الأطراف والعمل على تهيئة المزاج الشعبي في السعودية لعودة العلاقات مع حماس بعد السنوات السابقة التي بالغت فيها السعودية بوصف حماس بالحركة الإرهابية واعتقال قياداتها، واستغلالا لعبارات الشكر التي وجهها خالد مشعل للسعودية ودورها في مساندة القضية الفلسطينية.

وإلى ذلك، فقد كشفت مصادرعن وجود رسائل رسمية متبادلة بين حركة حماس وقيادة السعودية، جاءت بعد مقابلة مشعل على العربية،  بشأن رأب الصدع بين الجانبين وتقريب وجهات النظر وتحسين العلاقات، مؤكدة أن هناك تطوراً يمكن وصفه بـ"الإيجابي" من الجانب السعودي، الذي تعامل بتجاوب مع رسائل من جانب حماس. ولذلك فقد تشهد الفترة المقبلة تطورا جديدا على صعيد إزالة الخلافات بين السعودية وحماس.[31]



[1] حمزة إسماعيل أبوشنب، "علاقات حركة المقاومة الإسلامية "حماس" مع المملكة العربية السعودية". في، عمر الشهابي و محمود المحمود، محررون، ”الثابت و املتحول 2015 :الخليج و اآلخر“ (الكويت: مركز الخليج لسياسات التنمية، 2015 )

[2] المرجع السابق.

[3] المرجع السابق.

[4] المرجع السابق.

[5] وكالة قدس برس أنترناشنال للأنباء: "دبلوماسي حماس في سجون السعودية.. القصة الكاملة"، https://cutt.us/piZSD

[6] أبو شنب، مرجع سابق.

[7]  المرجع السابق.

[8]  المرجع السابق.

[9]صحيفة  الأخبار: "السعودية تبدأ محاكمة أنصار «حماس»": https://al-akhbar.com/Palestine/285318

[10] الجزيرة: "حماس والسعودية.. هل قررت الرياض تصفية العلاقة مع الحركة؟"، https://cutt.us/ynPHe

[11] موقع د. عدنان أبو عامر: "حماس قلقة، وصامتة، إزاء السياسة السعودية تجاهها"، https://cutt.us/UJ47w

[12] المرجع السابق.

[13] صحيفة  الأخبار: "السعودية تبدأ محاكمة أنصار «حماس»": https://al-akhbar.com/Palestine/285318

[14]  سما الإخباري: الرياض : السعودية تعتقل 160 فلسطينيا بتهمة الانتماء لـ"حماس"، https://cutt.us/bZOIe

[15] المرجع السابق.

[16]  سليمان سعد أبو ستة، "موقع حماس في الأزمة الخليجية"، البيت الخليجي للدراسات والنشر،  2017. https://gulfhouse.org/posts/2085/

[17] المرجع السابق.

[18]BBC عربي: " البرنامج النووي الإيراني: جو بايدن يريد التفاوض مع طهران رغم أنه لم يخفف العقوبات ضدها أو يرفعها - صانداي تايمز"،  https://cutt.us/Pc67g

[19] الحرة: "الشرق الأوسط في المقعد الخلفي".. قراءات لخطاب بايدن بشأن السياسة الخارجية، https://cutt.us/e3Inz

[20] عرب 48: قمة المصالحة الخليجية: ظروفها ودلالات التوقيت، https://cutt.us/08ddM

[21] BBC عربي: "السعودية: لماذا غير ولي العهد محمد بن سلمان موقفه تجاه إيران؟"، https://www.bbc.com/arabic/interactivity-56936703

 

[22]  الحرة: "التقارب التركي - السعودي".. خطوات ما بعد "اللقاء الأول"، https://cutt.us/AEC2O

[23]  أحمد الحيلة ،لماذا “حماس” مفيدة للسعودية؟، مركز الدراسات الإقليمية- فلسطين، https://cutt.us/ONjBn

[24] عربي بوست: "قصة مشروع الشام الجديد الذي دشنته القمة بين مصر والعراق والأردن.. هذه جوانبه الخفية وموقف إيران منه"،  https://cutt.us/ZPEAg https://2u.pw/VaX1i

[25] الوطن اليوم: خالد مشعل على قناة العربية.. هل تستعيد حركة حماس علاقاتها مع السعودية؟،

[26]  أحمد الحاج علي، "مشعل في “العربية”.. إنه الحدث"، مركز الدراسات الإقليمية- فلسطين،

[27] عدنان أبو عامر، حماس والسعودية تتبادلان رسائل إيجابية عبر إطلالة مشعل على "العربية"، موقع المونيتور  https://adnanabuamer.com/post/6704

[28] عربي 21: "مشعل على قناة العربية ويطالب الرياض بالإفراج عن فلسطينيين"، https://2u.pw/B4CMK

[29] عدنان أبو عامر، حماس والسعودية تتبادلان رسائل إيجابية عبر إطلالة مشعل على "العربية"، موقع المونيتور  https://adnanabuamer.com/post/6704

[30] وكالة قدس برس أنترناشنال للأنباء: الظهور الإعلامي لـ"مشعل" على قناة العربية.. دلالات المقابلة وأبرز رسائلها، https://2u.pw/CMpR6

[31] فلسطين اليوم:  مصادر تكشف الأسباب التي تُعكر الأجواء بين السعودية وحماس،  https://2u.pw/TN5YJ    

كلمات مفتاحية
حماس
السعودية
سيف القدس
الخليج العربي
أضف تعليق
تعليقات الزوار
لا يوجد تعليقات حالياً، ما رأيك أن تفتتح التعليقات؟
تقارير
آخر الأخبار
الباحث كريم قرط يمثل "يبوس" في مؤتمر فلسطين ومستقبل الشؤون الدولية باسطنبول
الباحث كريم قرط يمثل "يبوس" في مؤتمر فلسطين ومستقبل الشؤون الدولية باسطنبول
الباحث قرط يمثل يبوس في مؤتمر فلسطين الثاني بالدوحة
الباحث قرط يمثل يبوس في مؤتمر فلسطين الثاني بالدوحة
المقالات
هجرة طوعية" من غزة.. واقعية الطرح وإمكانيات التنفيذ
هجرة طوعية" من غزة.. واقعية الطرح وإمكانيات التنفيذ
تسليح المستوطنين.. هل تمهد للمواجهة مع الفلسطينيين في الضفة الغربية؟
تسليح المستوطنين.. هل تمهد للمواجهة مع الفلسطينيين في الضفة الغربية؟
محور فيلادلفيا ورفح.. معضلة خيارات الاحتلال “الإسرائيلي” في توسيع الحرب
محور فيلادلفيا ورفح.. معضلة خيارات الاحتلال “الإسرائيلي” في توسيع الحرب