قراءة إسرائيلية في اتفاقيات التطبيع بعد عام
تاريخ النشر: 27/03/2022 - عدد القراءات: 1455
قراءة إسرائيلية في اتفاقيات التطبيع بعد عام
قراءة إسرائيلية في اتفاقيات التطبيع بعد عام


بقلم: أ. كريم قرط، باحث في مؤسسة يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، رام الله

صدرت مؤخرا عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي دراستان بعنوان "عام على اتفاقات إبراهيم: ارتقوا بخطى التطبيع"[1] للباحثين في المعهد يؤال غوزانسكي وأودي ديكيل، و "عام على اتفاقات إبراهيم: إنجازات وتحديات وتوصيات لإسرائيل"[2] ليؤال غوزانسكي أيضا بمشاركة ساره فيونور.

تتناول هاتان الدراستان حصيلة اتفاقيات التطبيع بين "إسرائيل" وبين الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان، من حيث الإنجازات، وخاصة الإنجازات الاقتصادية، التي تم التوصل إليها، بالإضافة للعوائق التي تحول دون تطور مسار التطبيع مع الدول العربية المطبعة وكذلك إحجام دول عربية أخرى، مثل السعودية، على الانضمام لهذا المسار، وتحاول الدراستان أن تضعا في الختام عددا من التوصيات لتفعيل الاتفاقيات وجذب دول أخرى للتطبيع.

يرى، بداية، كل من غوزانسكي وفيونور أن موجة التطبيع الجديدة ما زالت حديثة العهد، إذ لم يمض على توقيع الاتفاقيات أكثر من عام، ولذلك من المبكر تقييم هذه التجربة، إلا أن التطورات التي حدثت خلال هذا العام تسمح بوضع ثلاث ملاحظات شاملة حول التطبيع ومساراته المحتملة في المستقبل:

1-  يعكس إقبال عدد من الدول العربية أن وضعية إسرائيل في المنطقة أصبحت راسخة ومسلم بها من قبل العرب، فهذه الاتفاقيات جاءت بعد عقود من رفض الدول العربية تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وخاصة في ظل عدم التوصل لحل للقضية الفلسطينية.

2-  هناك تباين في تطبيق الاتفاقيات كسياسات على الأرض بين الدول العربية المطبعة، فمسار التطبيع لم يأخذ ذات الوتيرة لدى الدول العربية الأربعة. حيث إن الإمارات هي الأسرع والأكثر فعالية في تحويل الاتفاق إلى سياسات عملية وتبادلات تجارية وأمنية وغيرها، بينما لم يتطور التطبيع مع السودان لأكثر من الإعلان السلام المتبادل.

3-  اجتازت اتفاقيات التطبيع أول اختبار حاسم خلال معركة سيف القدس، ولكن من غير المرجح أن تصمد حتى أقوى اتفاقيات التطبيع في ظل التصعيد في الساحة الفلسطينية، وربما اللبنانية أيضا.

في ضوء هذه الملاحظات، يستعرض الباحثان حصيلة التطبيع مع كل دولة عربية مطبعة على حدة، ويستعرضان الظروف الخاصة بكل دولة التي دفعتها لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل وتحويل هذه الاتفاقيات إلى سياسات عملية من عدمه.

ففي حالة الإمارات، يرى الباحثان أن التطبيع معها يتقدم سريعا، وله فوائد كثيرة وخصوصا في المجال الاقتصادي. وهذا الأمر يتعلق بطبيعة الإمارات، من حيث أنها دولة تتكون من أقلية أصلانية تتمتع بموارد طبيعية ضخمة  ونخبة حاكمة، ليس لديها معارضة داخلية فاعلة، تلتزم بخطة استراتيجية طويلة الأمد تسعى لتحويلها لخطط تنفذ بشكل حاسم، كما أن الإمارات تقدم نفسها كمثال للتقدم والابتكار في المنطقة، ولذلك فالعلاقة مع إسرائيل تصب في خدمة توجهها هذا.

 وعدا عن ذلك، يدرك الباحثان أن لكل دولة عربية مصالحها الخاصة من وراء التطبيع مع إسرائيل، بالنسبة للإمارات كان الدافع الأهم هو تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتعزيز صورتها كفاعل إقليمي مؤثر. وأما بالنسبة للبحرين، فقد أرادت أيضا تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى تعزيز أمنها إزاء إيران، وتقوية اقتصادها من خلال العلاقة مع إسرائيل. وفي حالة   السودان، كان الهدف الأهم، خاصة بعد الثورة على نظام عمر البشير، إزالة السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب،  والحصول على دعم مالي من الولايات المتحدة والبنك الدولي.  وأما بالنسبة للمغرب، التي أعلن عن استئناف العلاقات بينها وبين إسرائيل التي تم قطعها مع بداية الانتفاضة الفلسطينية الثانية 2000، فقد كان الهدف الأهم لها هو الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.

انعكس الاختلاف في أهداف الدول العربية المطبعة على مدى تطور مسار التطبيع لكل منها، كما هو موضح في الجدول أدناه:

 

المعيار

الإمارات

البحرين

المغرب

السودان

 تبادل السفراء/الممثلين الرسميين

نعم

نعم

نعم

لا

استمرارية الاتفاقية

نعم

نعم

نعم

لا

تسيير الرحلات الجوية المباشرة

نعم

نعم

نعم

لا

 ازدياد حجم التبادل التجاري

نعم

لا

نعم

لا

 التعاون الأمني

نعم

نعم

نعم

لا

تحديات أمام قطار التطبيع:

يضع كل من غوزانسكي وديكيل مجموعة من التحديات التي تحول دون تطور اتفاقيات التطبيع الحالية، وانضمام دول أخرى لمسار التطبيع، وهي:

1-  تغيير الإدارة الأمريكية، إذ كانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق ترامب  هي الداعم الأساسي لاتفاقيات التطبيع، حيث أعلنت عن تقديم حوافزاقتصادية وسياسية للدول العربية التي ستطبع مع إسرائيل، ولكن مع قدوم إدارة بايدن، التي أعلنت تأييدها لاتفاقيات التطبيع، اختلف الوضع قليلا. فالإدارة الجديدة أعلنت أنها لن تقدم أي مكافئات مالية واقتصادية للدول التي ستطبع مع إسرائيل، كما جمدت برنامج الدعم الذي أعلنته إدارة ترامب للدول العربية المنخرطة في التطبيع. عدا عن انشغال إدارة بايدن في قضايا ملحة خارج منطقة الشرق الأوسط وخصوصا التنافس مع الصين وروسيا.

2-  القضية الفلسطينية، حيث يرفض الفلسطينيون بمختلف أحزابهم وحركاتهم قيام الدول العربية بالتطبيع مع "إسرائيل"  دون التوصل لحل للقضية الفلسطينية. ومع أن التطبيع قد صمد أمام أول اختبار فعلي خلال معركة سيف القدس، إذ لم تعلن أي من الدول الأربعة وقف التطبيع أو تعليقه، ولكن في المقابل لم تمنع اتفاقية التطبيع مع الغرب الحكومة المغربية من دعوة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس "إسماعيل هنية" من زيارة المغرب ومقابلته لمسؤولين ونشطاء مغاربة في إشادة لأداء الحركة خلال معركة سيف القدس.  ومن جانب آخر، من غير المؤكد إذا ما كانت اتفاقيات التطبيع ستصمد في ظل اختبارات أخرى، وخصوصا في حال نشوب معركة جديدة على الساحة الفلسطينية أو شن إسرائيل لحرب على لبنان.

3-  المسألة الإيرانية، حيث تتشارك إسرائيل مع بعض دول الخليج الاستشعار بخطر التهديد الإيراني، وهو ما كان المحرك الأساس نحو اتفاقيات التطبيع، ولكن إيران تسعى لعرقلة جهود التطبيع بين دول الخليج وإسرائيل لأنها تراه موجها ضدها بالدرجة الأولى، وهو ما يثير خشية الدول العربية من ردة فعل إيران من خلال أذرعها والجماعات الشيعية المنتشرة في دول الخليج. وإلى ذلك ترى بعض الدول الخليجية أن البعد الرادع لاتفاقيات التطبيع قد تآكل بعد تغيير الإدارة الأمريكية، حيث تسعى إدارة بايدن للعودة للاتفاق النووي مع إيران. ولذلك تحاول تلك الدول الحفاظ على علاقات متوازنة مع إيران والتوصل لحل خلافاتها معها من خلال المفاوضات.

4-   لم تختلف اتفاقيات التطبيع الجديدة كثيرا في طبيعتها عن الاتفاقيات مع مصر والأردن، من حيث كونها علاقة مع نظام سياسي وليس مع الشعب، في الوقت الذي توجد فيه نسبة كبيرة من شعوب الدول العربية المطبعة تعارض التطبيع وتعاديه حتى.

 احتمالية انضمام دول أخرى لقطار التطبيع:

يرى كل من غوزانتسكي وفيونور أن إسرائيل ليست وحدها المعنية بانضمام دول أخرى لمسار التطبيع، وإنما هناك مصلحة للدول العربية المطبعة أيضا في انضمام دول أخرى لمسار التطبيع لأن هذا يمنحها نوعا من الشرعية ويقلل النقد الموجه ضدها. حيث يريان أن هناك عددا من الدول العربية والإسلامية التي ما تزال مترددة في اتخاذ هذه الخطوة، ومن أهم هذه الدول المملكة العربية السعودية، فعدا عن الأهمية الإقليمية التي تتمتع بها المملكة، ستعمل السعودية في ضوء مكانتها في العالم العربي والإسلامي على استجلاب دول أخرى للتطبيع. ولكن الإشكالية بالنسبة للسعودية هي التزامها بمبادرة السلام العربية التي تقضي بالتوصل لحل للقضية الفلسطينية قبل تطبيع العلاقات مع إسرائيل. إلا أن هناك بوادر عديدة، حسب ما يرى الباحثان، لرغبة المملكة في تطبيغ علاقاتها مع إسرائيل، منها سماح المملكة للطيران الإسرائيلي المرور في الأجواء السعودية، والتصريحات الرسمية السعودية المتتالية حول أهمية التطبيع مع إسرائيل، وهو ما يطلقان عليه "التطبيع الزاحف" في إشارة لسعي المملكة لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل بشكل تدريجي.

 توصيات للارتقاء بالتطبيع وزيادة عدد الدول المطبعة:

تتناول كلا الدراستين جملة من التوصيات للحكومة الإسرائيلية لتدعيم اتفاقيات التطبيع، ففي دراسة غوزانسكي وديكيل ترد عدة توصيات مثيرة للاهتمام، وهي:

1-  على إسرائيل تسريع تنفيذ الاتفاقيات وخاصة في المجال الاقتصادي، لإظهار الجدوى، للدول العربية، التي ستتأتى من التطبيع مع إسرائيل.

2-  على إسرائيل أن تخفف من الانطباع حول أن التطبيع موجه ضد إيران بشكل أساسي، في ضوء تخوف الدول العربية من انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من المنطقة ورغبتها في العودة للاتفاق النووي مع إيران، ما قد يجعل الدول العربية، والخليجية خاصة، تدخل في صدام مع إيران دون وجود حماية أمريكية.

3-  على إسرائيل حث الولايات المتحدة على دعم مسار التطبيع، نظرا لأن الدول العربية قلقة من تخلي الولايات المتحدة عن المنطقة وانشغالها بقضايا أخرى وتوجهها للعودة للاتفاق النووي مع إيران.

 

4-  على إسرائيل تزويد دول الخليج بمنظومات دفاع جوية في ظل تطوير إيران لمنظومة صواريخ بعيدة المدى، وهذا ما سيشعر دول الخليج بالأمن إزاء إيران.

5-  على إسرائيل دمج الدول المطبعة في جهود التسوية مع الفلسطينيين، لإعطاء شرعية لاتفاقيات التطبيع، كأن تدخل الإمارات في جهود إعمار قطاع غزة بالاشتراك مع مصر.

وبالإضافة إلى ذلك يضع كل من غوزانتسكي وفيونور عددا من التوصيات العملية، كدعم إسرائيل للمبادرات والمشاريع التي تهدف لتحسين ظروف الأجيال الشابة في الدول العربية؛ لأن ذلك سيسهم في جعل الدول العربية أكثر استقرارا من جهة، ومن جهة أخرى سيعمل هذا الأمر على  تحسين صورة إسرائيل لدى الأجيال الشابة في الوطن العربي. وأيضا يوصيان بإشراك مصر والأردن في مسار التطبيع الجديد، وخصوصا في المجال الاقتصادي، لتعزيز الاستقرار في هذين البلدين وتدعيم تكتل الدول المطبعة مع إسرائيل. كما يوصيان باستغلال فلسطينيي الداخل لتعزيز اتفاقيات التطبيع، من حيث دعم الرياديين من فلسطينيي الداخل لإنشاء مشاريع في الدول المطبعة، ودعم إنشاء الدول المطبعة لمشاريع واستثمارات في البلدات والمدن العربية في الداخل، ما من شأنه أن يمنح التطبيع طابعا إيجابيا لدى الشعوب العربية.

 ختاما

بعيدا عن الزخم الذي حظيت به اتفاقيات التطبيع وحمالات النقد والمعارضة التي وجهت لها في مختلف الدول العربية، إلا أن هذه الاتفاقيات ما زالت موضع شك في استمراريتها وأثرها. فالقراءة الإسرائيلية لهذه الاتفاقية تدرك أن التطبيع مع الدول العربية يمكن أن ينهار وأن تتخلى الدول المطبعة عن اتفاقياتها مع إسرائيل، أو أن يظل هذا التطبيع باهتا منحصرا في العلاقات الرسمية بين الأنظمة كحال اتفاقيات السلام مع مصر والأردن، وهذا ما يتوقف على رؤية كل دولة عربية لمصالحها الخاصة وجدوى التطبيع مع إسرائيل. كمت أن القضية الفلسطينية، التي حاولت إسرائيل والإدارة الأمريكية السابقة الالتفاف عليها وتهميشها من خلال التطبيع مع الدول العربية، ستظل هي حجر الزاوية في المنطقة العربية والعامل الأكثر تأثيرا في مسار الصراع العربي الإسرائيلي.



[1] Yoel Guzansky and Udi Dekel ,” A Year since the Abraham Accords: Pick up the Pace of Normalization” , No. 1508 , August, 2021,  INSS.  https://www.inss.org.il/publication/abraham-accords-one-year/

 

[2] Yoel Guzansky and Sarah Feuer, “The Abraham Accords at One Year: Achievements, Challenges, and Recommendations for Israel”, November, 2021 ,  INSS:

https://www.inss.org.il/publication/abraham-accords-one-year-insights/

 

كلمات مفتاحية
إسرائيل
التطبيع
الإمارات
اتفاقيات أبرهام
السودان
أضف تعليق
تعليقات الزوار
لا يوجد تعليقات حالياً، ما رأيك أن تفتتح التعليقات؟
تقارير
آخر الأخبار
الباحث كريم قرط يمثل "يبوس" في مؤتمر فلسطين ومستقبل الشؤون الدولية باسطنبول
الباحث كريم قرط يمثل "يبوس" في مؤتمر فلسطين ومستقبل الشؤون الدولية باسطنبول
الباحث قرط يمثل يبوس في مؤتمر فلسطين الثاني بالدوحة
الباحث قرط يمثل يبوس في مؤتمر فلسطين الثاني بالدوحة
المقالات
هجرة طوعية" من غزة.. واقعية الطرح وإمكانيات التنفيذ
هجرة طوعية" من غزة.. واقعية الطرح وإمكانيات التنفيذ
تسليح المستوطنين.. هل تمهد للمواجهة مع الفلسطينيين في الضفة الغربية؟
تسليح المستوطنين.. هل تمهد للمواجهة مع الفلسطينيين في الضفة الغربية؟
محور فيلادلفيا ورفح.. معضلة خيارات الاحتلال “الإسرائيلي” في توسيع الحرب
محور فيلادلفيا ورفح.. معضلة خيارات الاحتلال “الإسرائيلي” في توسيع الحرب